فصل: ابتداء دولة العبيديين.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.ابتداء دولة العبيديين.

وأولهم عبيد الله المهدي بن محمد الحبيب بن جعفر الصادق بن محمد المكتوم بن جعفر الصادق ولا عبرة بمن أنكر هذا النسب من أهل القيروان وغيرهم وبالمحضر الذي ثبت ببغداد أيام القادر بالطعن في نسبهم وشهد فيه أعلام الأئمة وقد مر ذكرهم فإن كتاب المعتضد إلى ابن الأغلب بالقيروان وابن مدرار بسجلماسة يغريهم بالقبض عليه لما سار إلى المغرب شاهد بصحة نسبهم وشعر الشريف الرضي مسجل بذلك والذين شهدوا في المحضر فشهادتهم على السماع وهي ما علمت وقد كان نسبهم ببغداد منكرا عند أعدائهم شيعة بني العباس منذ مائة سنة فتلون الناس بمذهب أهل الدولة وجاءت شهادة عليه مع أنها شهادة على النفي مع أن طبيعة الوجود في الانقياد إليهم وظهور كلمتهم حتى في مكة والمدينة أدل شيء على صحة نسبهم وأما من يجعل نسبهم في اليهودية والنصرانية ليعمون القدح وغيره فكفاه ذلك إثما وسفسفة وكان شيعة هؤلاء العبيديين بالمشرق واليمن وأفريقية وكان أصل ظهورهم بأفريقية دخول الحلواني وأبي سفيان من شيعتهم إليها أنفذهما جعفر الصادق وقال لهما بالمغرب أرض بور فاذهبا واحرثاها حتى يجيء صاحب البذر فنزل أحدهما ببلد مراغة والآخر ببلد سوف جمار وكلاهما من أرض كتامة ففشت هذه الدعوة في تلك النواحي وكان محمد الحبيب ينزل سلمية من أرض حمص وكان شيعتهم يتعاهدونه بالزيارة إذا زاروا قبر الحسين فجاء محمد بن الفضل من عدن لاعة من اليمن لزيارة محمد الحبيب فبعث معه رستم بن الحسن بن حوشب من أصحابه لإقامة دعوته باليمن وأن المهدي خارج في هذا الوقت فسار وأظهر الدعوة للمهدي من آل محمد بنعوته المعروفة عندهم واستولى على أكثر اليمن وتسمى بالمنصور وابتنى حصنا بجبل لاعة وملك صنعاء من بني يعفر وفرق الدعاة في اليمن واليمامة والبحرين والسند والهند ومصر والمغرب وكان أبو عبد الله الحسين بن محمد بن زكريا المعروف بالمحتسب وكان محتسبا بالبصرة وقيل إنما المحتسب أخوه أبو العباس المخطوم وأبو عبد الله هذا يعرف بالمعلم لأنه كان يعلم مذهب الإمامية فاتصل أبو عبد الله بمحمد الحبيب ورأى ما فيه من الأهلية فأرسله الى ابن حوشب باليمن ليأخذ عنه ثم يذهب إلى المغرب ويقصد بلد كتامة فيظهر بينهم الدعوة فجاء أبو عبد الله إلى ابن حوشب ولزمه وشهد مجالسه وأفاد علمه ثم خرج مع حاج اليمن إلى مكة فلقي بالموسم رجالات كتامة ورؤساءهم وفيهم من لقي الحلواني وابن بكار وأخذوا عنهما فقصدهم أبو عبد الله في رحالهم وكان منهم موسى بن حريث كبير بني سكتان من جملة أحد شعوبهم وأبو القاسم الورنجومي من أحلافهم ومسعود بن عيسى بن ملال المساكتي وموسى بن تكاد فجلس إليهم وسمعوا منه مذاهبهم ورأوا ما هو عليه من العبادة والزهد فعلق بقلويهم وصار يتعهدهم في رحالهم فاغتبطوا به واغتبط بهم ولما أرادوا الرحلة إلى بلادهم سألوه الصحبة فوافقهم طاويا وجه مذهبه عنهم بعد أن سألهم عن قومهم وعصابتهم وبلادهم وملكة السلطان فيهم فكشفوا له علم ذلك وأنهم إنما يعطون السلطان طاعة معروفة فاستيقن تمام أمره فيهم وخرج معهم إلى المغرب وسلكوا طريق الصحراء وعدلوا عن القيروان إلى أن وصلوا بلد سوماثة وبها محمد بن حمدون بن سماك الأندلسي من بجاية الأندلس نزيلا عندهم وكان قد أدرك الحلواني وأخذ عنه فنزل أبو عبد الله الشيعي عليه فأكرمه وفاوضه وتفرس ابن حمدون فيه أنه صاحب الدولة ثم ارتحلوا وصحبهم ابن حمدون ودخلوا بلد كتامة منتصف ربيع سنة ثمان وثمانين ومائتين فنزل على موسى بن حريث ببلده أنكجان في بلد بني سكتان من جبيلة وعين له مكان منزله بفج الأخيار وأن النص عنده من المهدي بذلك وبهجرة المهدي وأن أنصار الأخيار من أهل زمانه وأن اسمهم مشتق من الكتمان واجتمع إليه الكثير من أهل كتامة ولقي علماءهم واشتمل عليه الكثير من أهوائهم فجاهر مذهبه وأعلن بإمامة أهل البيت ودعا للرضا من آل محمد واتبعه أكثر كتامة وكانوا يسمونه بأبي عبد الله الشيعي والمشرقي وبلغ خبره إلى أمير أفريقية إبراهيم بن أحمد بن الأغلب فبعث إليه بالتهديد والوعيد فأساء الرد عليه وخاف رؤساء كتامة عادية ابن الأغلب وأغراهم عمال بلادهم بالشيعي مثل موسى بن عياش صاحت مسيلة وعلي بن حفص بن عسلوجة صاحب سريف وجاء ابن تميم صاحب يلزمة فاجتمعوا وتفاوضوا في شأنه وحضر يحيى المساكتي وكان يدعى بالأمير ومهدي بن أبي كمارة رئيس لهيعة وفرج بن حيران رئيس إجانة وثمل بن بجل رئيس لطانة وراسلوا بيان بن صفلان رئيس بني سكتان وأبو عبد الله الشيعي عندهم بجبل ايكجان في أن يسلمه إليهم أو يخرجه من بلدهم وحذروه عاقبة أمره فرد أمره إلى أهل العلم فجاؤوا بالعلماء وهموا باغتياله فلم يتم لهم ذلك وأطبقت بجيلة على مظاهرته فهزموا هؤلاء المثيرين عليه وردوهم خائبين ثم رجعوا بيان بن صقلاب في أمره ولاطفوه حتى صفا إليهم وشعر بذلك أبو عبد الله الشيعي وأصحابه فبعثوا إلى الحسن بن هرون الغساني يسألونه الهجرة إليهم فأجابهم ولحق ببلدة تازروت من بلادهم واجتمعت غسان لنصرته مع بطون كتامة الذين بايعوه من قبل فاعتز وامتنع وعظم أمره ثم انتقض على الحسن بن هرون أخوه محمد منافسة له في الرياسة وكان صديقا لمهدي بن أبي كمارة فداخله في التثريب على أبي عبد الله وعظمت الفتنة بين لهيعة وغسان وولى أبو عبد الله الشيعي الحسن بن هرون على حروبه وظهر بعد أن كان مختفيا وكان لمهدي بن أبي كمارة شيخ لهيعة أخ اسمه أبو مديني وكان من أحباب أبي عبد الله فقتل أخاه مهديا ورأس على لهيعة مكانه فصاروا جميعا إلى ولاية أبي عبد الله وأبي مديني شيخهم ثم تجمعت كتامة لحرب الشيعي وأصحابه ونازلوه بمكانه من تازروت وبعث الشيعي سهل بن فوكاش إلى فحل بن نوح رئيس لطانة وكان صهره لينجد له عن حربهم في السلم فمشى إلى كتامة وأبوا إلا أن يناجزوهم الحرب فغلبهم أبو عبد الله وأصحابه وانهزمت كتامة وأبلى عروبة بن يوسف الملوشي في ذلك اليوم بلاء حسنا واجتمعت إلى أبي عبد الله غسان كلها ويلزمة ولهيعة وعامة بجاجية ورئيسهم يومئذ ماكنون بن ضبارة وأبو زاكي تمام بن معارك ولحق بحيلة من بجاجية فرج بن خيران ويوسف بن محمد من لطانة وفحل بن نوح واستقام أمر الباقي للشيعي وجمع فتح بن يحيى من أطاعه من قومه مسالمة لحرب الشيعي فسار إليهم وأوقع بهم ولحق فلهم بسطيف ثم استأمنوا إليه فأمنهم ودخلوا في أمره وولى منهم هرون بن يونس على حروبه ولحق رئيسهم فتح بن يحيى بعجيسة وجمع ثانية لحرب الشيعي فسار إليه ومعه جموع كتامة وتحصن منه فتح ببعض قلاعهم فحاصره الشيعي وفتحها واجتمعت إليه عجيسة وزواوة وجميع قبائل كتامة ورجع إلى تازروت وبث دعاته في كل ناحية فدخل الناس في أمره طوعا وكرها ولحق فتح بن يحيى بالأمير إبراهيم بن أحمد بتونس واستحثه لحرب الشيعي ثم فتح أبو عبد الله مساكتة بمداخلة بعض أهلها وقتل صاحبها موسى بن عياش وولى عليها ماكنون بن ضبارة الجايي وهو أبو يوسف ولحق إبراهيم بن موسى بن عياش بأبي العباس إبراهيم بن الأغلب بتونس بعد خروج أبيه إلى صقلية وكان فتح بن يحيى المساكتي قد نزع إليه من قبل ذلك ووعده المظاهرة فجهز العساكر وعقد عليها لابنه أبي خوال وزحف من تونس سنة تسع وثمانين فدوخ كتامة ثم صمد إلى تازروت فلقيه أبو عبد الله الشيعي في جموعه ببلد ملوسة فهزمهم أبو خوال وفر الشيعي من قصر تازروت إلى ايكجان فامتنع بها فهدم أبو خوال القصر واتبعه وتوغل أبو خوال في بلاد كتامة فاضطرب أمره وتوقع البيات وسار إبراهيم بن موسى بن عياش من عسكر أبي خوال إلى نواحي مسيلة يتجسس الأخبار فتواقع مع طائفة من أصحاب الشيعي فهزموه واتبعوه إلى المعسكر فاضطرب وأجفل أبو خوال وخرج من بلاد كتامة واستوطن أبو عبد الله إيكجان وبنى بها بلدا وسماها دار الهجرة واستبصر الناس في أمره ودخلوا في دعوته ثم هلك الحسن بن هرون وجهز أبو العباس العساكر ثانية مع ابنه أبي خوال ورده لحرب الشيعي وكتامة فسار في بلادهم ورجع منهزما وأقام قريبا منهم يدافعهم ويمنعهم من التقدم وفي خلال ذلك هلك إبراهيم بن أحمد بن الأغلب وقتل ابنه أبو العباس وقام بالأمر ابنه زيادة الله فاستدعى أخاه أبا خوال وقتله وانتقل من تونس إلى وقادة وانهمك في لذاته وانتشرت جيوش الشيعي في البلاد وعلا أمره وبشرهم بأن المهدي قرب ظهوره فكان كما قال.